إنَّ هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم

قال الشيخ ابن عثيمين إنني لواثق من أنه إذا عُرِض الإسلام عرضاً صحيحًا على حسب ما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسيكون مقبولاً لدى النفوس؛لأن الإسلام دين الفطرة يقبله كل ذي فطرة سليمة ولا يحتاج إلى كبير عناء بمجرد أن يشهد الرجل أن لا اله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فإنه سوف يقبل هذا بفطرته التي فطر الله بها عباده

العقيدة

آخر الأخبار

العقيدة
الفوائد
جاري التحميل ...

غربة الإسلام

قال الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله تعالى:

«وفي زماننا هذا قد استولت الكآبةُ والهمُّ والغمُّ والحزن على كل مسلم في قلبه حياة وغَيْرة دينية، وذلك لما يرى من تضعضع الإسلام وأهله، وتداعي الأمم عليهم من كل جانب، ولما يرى من تنافس المسلمين في الأمور الدنيوية، وجدهم واجتهادهم فيما لا يُجدي شيئا، وإعراضهم عما فيه عِزّهم ومَجدهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وما أصابهم من الوهن والتخاذل، وتفرق الكلمة، وذهاب الريح، ونزع المهابة من صدور الأعداء.

وكل هذه المصائب المؤلمة من ثمرات الذنوب والمعاصي، ومخالفة السنة النبوية والطريقة السلفية، 

قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: 11]، وقال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال: 53]، 

ولا ترى مسلما نوّر الله قلبه بنور العلم والإيمان إلا وهو في زماننا كالقابض على الجمر، لا يزال متألما متوجعا لِما يرى من كثرة النقص والتغيير في جميع أمور الدين، وانتقاض الكثير من عرى الإسلام، والتهاون بمبانيه العظام، ولقلة أعوانه على الخير، وكثرة من يعارضه ويناويه، فإن أَمَر بالمعروف لم يُقبل منه، وإنْ نَهى عن المنكر لم يأمن على نفسه وماله، وأقل الأحوال أن يُسخر منه ويُستهزأ به، ويُنسب إلى الحمق وضعف الرأي، حيث لم يمش حاله مع الناس، وربما قُمع مع ذلك وقُهر واضطهد كما رأينا ذلك، 


وهذا مصداق ما تقدم في حديث أبي أمامة الذي رواه الطبراني وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة بأسرها حتى لا يرى فيها إلا الفقيه والفقيهان، فهما مقهوران ذليلان، إن تكلما فأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر قُمعا وقُهرا واضُطهدا، فهما مقهوران ذليلان لا يجدان على ذلك أعوانا ولا أنصارا».

وحيث إن الجهل قد عمَّ وطمَّ في هذه الأزمان، وعاد المعروف عند الأكثرين منكرا والمنكر معروفا، وأُطيع الشح، واتُّبِعت الأهواء، وصار القُرّاء الفسقة والمتشبهون بالعلماء ينكرون على من رام تغيير المنكرات الظاهرة، ويعدُّون ذلك تشديدا على الناس ومشاغبة لهم وتنفيرا، وعندهم أن تمام العقل في السكوت ومداهنة الناس بترك الإنكار عليهم، وأن ذروة الكمال والفضل في الإلقاء إلى الناس كلهم بالمودة، وتمشية الحال معهم على أي حال كانوا، وهذا مصداق ما رواه الإمام أحمد في كتاب “الزهد”؛ حدثنا عبد الصمد، حدثنا هشام -يعني الدستوائي- عن جعفر -يعني صاحب الأنماط- عن أبي العالية قال: «يأتي على الناس زمان تخرب صدورهم من القرآن، ولا يجدون له حلاوة ولا لذاذة، إن قصّروا عما أُمروا به قالوا: إن الله غفور رحيم، وإن عملوا بما نُهوا عنه قالوا: سيغفر لنا، إنَّا لم نشرك بالله شيئا، أمرهم كله طمع ليس معه صدق، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أفضلهم في دينه المداهن».

وهذا الأثر مطابق لحال أكثر المنتسبين إلى العلم في زماننا، وقد جاء في حديث رواه الطبراني: «من تحبب إلى الناس بما يحبونه، وبارز الله تعالى لقي الله وهو عليه غضبان».

إذا عرف هذا فينبغي لمن أنقذه الله تعالى من موت الجهل، ونوّر بصيرته بالعلم النافع الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وألهمه رشده، وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان أن لا يزال لسانه رطبا بذكر الله، وحمده وشكره على ما أنعم به عليه من هذه النعم العظيمة، وأن يدعو إلى سبيل ربه، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويُغيِّره ما استطاع، ويبذل جهده في نشر السنة، وإصلاح ما أفسده الناس منها، ويصبر على ما يصيبه في ذات الله، ومن فعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى رجى له أن يكون من أئمة الغرباء، الذين غبطهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله في الحديث الصحيح: «طوبى للغرباء».

📚 من كتاب غربة الإسلام (الجزء 1 ص 122-124)

عن الكاتب

الفقير إلى الله

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

إنَّ هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم