قصة للعبرة وشحذ الهمة.
جدتي حفظها الله ورزقها الفردوس الأعلى، عاشت أميّة لا تقرأ ولا تكتب مدة ستين سنة، وكانت تتمنى دائما أن تقرأ القرآن الكريم من المصحف وتحفظ ما تيسر منه، وكم من مرة أراها تفتح المصحف وتقلب الأوراق وعيناها تفيضان، وفي إحدى المرات سمِعَتْ أن مسجدا يبعد عن بيتها اربعة كيلومترات فيه تعليم للأميات القراءة والكتابة وبعد ذلك يبدأن في حفظ القرآن الكريم.فتحمست لذلك، وشجعها المشجعون وثبطها المثبطون نظرا لكبر سنها وبعد المسافة وعدم وجود وسيلة نقل، والحمد لله الذي جعلني من المشجعين لها. وكنت كثيرا ما أرافقها، فامضت فترة طويلة في تعلم قراءة وكتابة الحروف وربط الكلمات، وكلما وجدت جدي أو أبناءها أو أحفادها أمامها سألتهم واستفسرت عما يشكل لديها، حتى كان البعض منا يفر إذا رآها بالنظارات تمشي بكراسها تبحث عن معين لها، لأنها كانت كثيرة الأسئلة وصاحبة همة عالية وكانت تتعلم حتى من أحفادها الذين يدرسون في الابتدائي ولا تخجل أبدا، حتى وإن ضحك عنها الأطفال إذا أخطأت، استمرت على ذلك فترة حتى أتقنت القراءة والكتابة، وبدأت تحفظ القرآن الكريم، وكم كانت فرحتها كبيرة لما حفظت حزب سبّح.
كان جدي يكتب لها نصف صفحة، وتحفظها في اسبوعين لصعوبة الحفظ الذي كانت تعاني منه، ولا أبالغ إذا قلت إنها تكرر ذلك المقطع أكثر من ألف مرة، فقد كانت تُمضي أغلب وقت فراغها في الحفظ والتكرار بلا كلل ولا ملل، وكلما وجدت أحد أمامها طلبت منه أن يسمّع لها ذلك المقطع، وبعد فترة أصبحت متفوقة على زميلاتها، وكانت دائما تحلّ في المرتبة الأولى أو الثانية، والآن تحفظ عشرة أحزاب بإتقان _ اللهم زد وبارك_ وتختم قراءة القرآن في السنة عدة مرات، وقد وفقني الله إذ كنت أقرأ لها شيئا من عمدة التفسير وكذلك تفسير الإمام السعدي، فتعلمت التوحيد وأدركت ما كانت تقع فيه في الماضي من بدع ومحدثات وعقائد باطلة، ووفقها الله للتوبة من كل تلك الامور ولله الحمد، وكثيرا ما تفرح لما ألقبها بالجدة السلفية، وتقول: "ليتني أكون سلفية، هذا شرف لي"، أحسبها سلفية صالحة والله حسيبها والحمد لله أصبحت الآن تدعو العجائز الى التوحيد والسنة وتحذرهن من البدع والشركيات، وترغبهن في حفظ القرآن الكريم.
العبرة من القصة إخواني، لا يخدعنك الشيطان بذريعة كبر سنك وكثرة أشغالك ومسؤولياتك، فالسن ليس عائقا أبدا إذا كانت الهمة عالية، أما الاشغال والمسؤولية، فلا تنتهي أبدا، ولو يخصص الواحد منا شيئا من وقته ولو كان بسيطا لحفظ القرآن الكريم، لوجد نفسه بعد فترة قد حفظ شيئا كثيرا، وكم يكون سعيدا لما يستيقظ قبل صلاة الفجر ويقوم لله ركعات يقرأ فيها ما تيسر من حفظه، والسعادة العظمى لمن حفظ وأخلص وفهم وعمل لما يأتيه القرآن يوم القيامة شفيعا، ويوم يُقال له: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها.
أسأل الله أن يوفقني وإياكم لكل خير، وأرجو منكم أن تدعوا لجدتي حفظها الله.
منقول من حساب الأخ اصبر الفرج قريب